التأريخ والمؤرخون العرب

 


خطة البحث 

مقدمة

المبحث الاول ماهية التأريخ

المطلب الاول نشأة وتطور علم التاريخ

المطلب الثاني منهج التدوين التاريخي

المطلب الثالث أنماط الكتابة التاريخية

المبحث الثاني المؤرخين العرب

المطلب الاول.   علم التاريخ في أقوال مؤرخي العرب

المطلب الثاني آراء مؤرخي العرب في التاريخ 

خاتمة

المراجع















مقدمة:

يعرف العالم اليوم جملة تحولات عميقة متلاحقة، بوتيرة تصل إلى حد التسارع. الأمر الذي أدى إلى قصر أعمار المنظومات المعرفية المختلفة بحيث لا تكاد تمر شهور أو سنوات إلا ويبدأ أحد الأبنية العلمية في الانهيار أو التلاشي، بعد أن كان بالأمس مليء السمع والبصر. وقد أدت هذه التطورات المتسارعة إلى انفجار معرفي مبهر فاقم من اتساع الهوة العلمية القائمة بين الوطن العربي و العالم المتقدم.


وإذا كان الأمر مفهوما بالنسبة إلى المعارف البحتة والتطبيقية لأنها مجال صراع للمصالح المادية، ثم لكون البحث فيها قد يفضي إلى تطوير بعض التقنيات التي توصف بالحساسة، فإن الأمر يصبح غريبا إزاء العلوم الإنسانية والاجتماعية، بفعل انتفاء المراقبة داخل حقل الأبحاث في هذه العلوم. وبالرغم من ذلك لم يستطع الباحثون العرب، ومنذ عقود، أن يصلوا إلى مرحلة تأصيل للإنسانيات بمستوى يبشر بقيام علم اجتماع عربي، أو مدرسة تاريخية عربية. 

فماهو التأريخ والمؤرخين العرب؟؟ 









المبحث الاول ماهية التأريخ

المطلب الاول نشأة وتطور علم التاريخ

التأريخ لغة                    

جاء في بعض معاجم وقواميس العربية، مثل معجم اللغة العربية المعاصر، والمعجم الوسيط، ومعجم الرائد، ومعجم الغني الزاهر، ومعجم لسان العرب، التأريخ بـ(الهمزة)، مصدر من (أرَّخ) بلغة قيس، وهو اللفظ الشائع عند العرب، أما التوريخ فهو مصدر من (ورَّخ) بلغة تميم، وهو لفظ لم يستخدمه كاتب قط، وأرَّخ، يؤرِّخ، تأريخاً، فهو مؤرِّخ، والمفعول مؤرَّخ، ويعني تعريف الوقت، والغاية أيضاً، فتاريخ الشيء هو وقته وغايته

التأريخ اصطلاحا

التأريخ يعني الحقبة، أو الزمن، وعندما ترد لفظة التأريخ، فإنما يراد بها أمران، الأمر الأول: هو التأريخ العام، أي: تسجيل أهم الحوادث وتدوينها، عاماً بعد عام، بمعنى أن تكون الأخبار، مرتبة بحسب العصور، أما الأمر الثاني: فهو تحديد بداية الأخبار الخاصة، في عصر من العصور، وحصر الأزمات وحسابها، وتحديد زمن وقوع الأحداث تحديداً دقيقاً.

ظهرت بوادر اهتمام العرب بعلم التاريخ منذ عصر ما قبل الإسلام، ونتج عن ذلك ظهور شكلين من أشكال المعرفة التاريخية وهما :

– الأنساب، وهي نوع من التاريخ يقوم على تتبع نسب القبائل العربية، وقد بالغ العرب في حفظ شجرة نسب القبيلة وتلقينها لأبنائهم جيلا بعد جيل حتى لا يختلط نسبها بأنساب القبائل الأخرى.

– وأيام العرب، ويقصد بها أخبار القبائل والحروب التي خاضتها القبائل، وهي بمثابة سجل مفاخر القبيلة وبطولاتها، والغرض منها تعزيز الشعور بالهوية لدى أبناء القبيلة.

وبظهور الإسلام اتخذ الاهتمام بالتاريخ منحى جديدا فلم تعد القبيلة صلب العملية  التاريخية ومحورها وإنما الدين، وفي كنف الدين نما علم التاريخ وتطور فكان أول اشتغال للمسلمين به مع حاجتهم إلى معرفة سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم وتوفر لهذا الغرض رجال عكفوا على جمع أخبار السيرة وتدوينها وأقدم من كتب في ذلك عروة بن الزبير بن العوام (ت: 93ه) وأبان بن عثمان بن عفان (ت:105)، ثم انتهى علم السيرة والمغازي إلى رجلين من الموالي هما محمد ابن اسحق (ت: 152ه) ومحمد بن عمر الواقدي (ت:207ه).

وفي تلك الأثناء كانت قد تمت الفتوح الكبرى وشاعت بين المسلمين أخبار الأمم والديانات الأخرى، وتوافرت أسباب شتى اقتضت جمع وتدوين الأخبار المتصلة بذلك، فتدوين أخبار القدماء دفعت إليه رغبة العلماء فهم الإشارات الواردة في القرآن والسنة، وميل خلفاء بني أمية إلى معرفة أخبار ملوك الأمم السابقة وكيف ساسوا رعاياهم، وكان تدوين الأنساب منبعه حاجة الدولة للاستعانة بها في عطايا الجند، وكان الباعث الأقوى على تدوين أخبار الفتوح الرغبة في معرفة أيها فتح صلحا وأيها عنوة لأن لكل منها حكمها من حيث الجزية والخراج، ولما دون ذلك كله كان هناك نوع آخر مستقل من الرواية التاريخية إلى جانب السيرة كان موضوعه: أخبار الأمم السابقة، وأحوال الجاهلية، وحوادث الإسلام.

______________

۱- ابن الأبار ( أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي ) : كتاب الحلة السبراء ، تحقيق الدكتور حسين مؤنس ، القاهرة ، 1963 • 

-۳ .- ابراهيم ( دكتور عبد اللطيف ) : وثيقة السلطان قايتباى ، من بحوث المؤتمر الثالث للآثار في البلاد العربية بفاس ، القاهرة ، ١٩٦١

 


المطلب الثاني منهج التدوين التاريخي

مهدت العوامل السابقة السبيل أمام تطور الكتابة التاريخية التي تعددت صورها واتسعت ولم تعد على تلك الشاكلة البسيطة التي جسدتها الأنساب وأيام العرب، وأخذت تتبلور منذ أوائل القرن الثالث الهجري ملامح منهجية اكسبتها سمات معينة، ويمكن تلخيصها في الآتي:

– الإنسان صانع التاريخ، انطلق المؤرخ المسلم من مبدأ أساسي وهي أن التاريخ هو من صنع الإنسان وليس الإله بموجب مفهوم الاستخلاف، وأن حوادثه تجري وفق سنن معينة بينها القرآن الكريم ولا تسير اعتباطا وأنها تحمل في طياتها عبر ودروس ينبغي استنباطها، وذلك المبدأ يتناقض مع فكرة عبثية التاريخ والنزعة التشاؤمية التي سادت الفكر الغربي وروج لها بوركهارت، شبنجلر وتوينبي ونيتشه الذي يصف التاريخ بأنه “حكاية يرويها أبله، مليئة بالصوت والغضب لا تدل على شيء”.

– نفي القداسة عن التاريخ، ولما كان التاريخ من صنع الإنسان فإنه لا يمكن أن يكون مقدسا بل يمكن أن ينحرف عن مساره ويعرف طريقه نحو الاضمحلال إذا ضل الإنسان ولم يتبع الهدي الإلهي، وهذه الفكرة لا تتسق مع فلسفة التاريخ المسيحي كما نظّر لها القديس أوغسطين في كتابه “مدينة الله” الذي صور من خلاله العالم وتاريخه باعتباره تجليا لإرادة الرب، وألقت هذه الرؤية بظلالها على المؤرخين المسيحيين اللاحقين فكتبوا التاريخ كما ينبغي أن يكون وليس كما حدث بالفعل باعتباره مقدساً، وعجزت مدوناتهم التاريخية عن إدراك دور الإنسان كفاعل تاريخي.

– الدين محور التاريخ، انطلق المؤرخ المسلم في تدوينه للتاريخ من اعتبار الدين لا السياسة محورا للعملية التاريخية، ووفقا لهذا المعنى فإن التاريخ هو الصراع  الممتد بين أهل الحق وأهل الباطل وليس تاريخ الملوك والحروب، وهذا الاعتبار كان يعني أمرين؛ أولهما استمرارية التاريخ وعدم إمكان وصوله إلى نهايته كما افترض فوكوياما، وثانيهما تجفيف فكرة البطولة الأحادية باعتبار الدين من صنع جماعة المؤمنين المؤازرين للأنبياء في كل عصر وليس القائد أو السياسي، ولعله مما يسترعي النظر أن تاريخ السِير الملكية تأخر ظهوره في الإسلام حتى عصر الحروب الصليبية، على حين ظهرت كتب الطبقات والتراجم في القرن الثاني الهجري.

– التأكيد على الغاية الأخلاقية للتاريخ، وهو ما أمكن للمؤرخ استخلاصه من خواتيم القصص القرآني التي تؤكد أن غايتها النهائية العظة والعبرة والتدبر فتتلافى الأجيال اللاحقة مآل ومصير الأمم السابقة وهو ما يتجلى في قوله تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وقوله (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)، وقد انعكس هذا على منهاجية التدوين لدى المؤرخ الذي تخير نماذجه في كتب التراجم والطبقات وفق معياري التقوى والعمل الصالح، وتجنب الترجمة لأرباب الرذائل منتهكي القانون الأخلاقي، وأما في كتب التاريخ العام فقد كان ذكرهم يأتي مصحوبا بالنقد والتحذير من المصير الذي آلوا إليه.

______________


المعجم في أصحاب الإمام أبي على الصدفي - مجلد 4 من المكتبة العربية الاسبانية ، تحقيق كوديرة ، مدريد ، ١٨٨٥ •

 و كتاب التكملة لكتاب الصـلة ، جزآن ، تحقیق کودیره ، مدريد ، ۱۸۸۷ - ۱۸۸۹ - -

 ابراهيم ( الاستاذ محمد أبو الفضل ) مقدمة كتاب , تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري ، مجموعة ذخائر العرب ، القاهرة ، ١٩٦٠ 

 



المطلب الثالث أنماط الكتابة التاريخية

استنادا إلى تلك المنهجية التي استبطنها المؤرخ المسلم تنوعت أنماط الكتابة وتعددت صورها، ويتعذر علينا أن نحصيها في تلك العجالة لذا سنشير إلى بعضها، وهي كالتالي:

أولا: الخبر، ويعده فرانز روزنتال أقدم صور الكتابة التاريخية في الإسلام، وهو عبارة عن سرد تاريخي لحادثة بعينها لا يزيد طولها عن بضع صفحات، فيما يعد استمرارا “لأيام العرب” قبل الإسلام، ومنذ القرن الثالث الهجري أصبحت رواية الخبر أكثر مهنية إذ سبقها ذكر ملخص للخبر، وذكر لسلسلة الرواة الذين تناقلوه. وأشهر المصنفين في هذا النوع علي بن محمد المدائني (ت:215ه) ففي عناوين مؤلفاته نجد رسائل يقتصر كل منها على خبر معركة بعينها أو وصف عمل من الأعمال.

ثانيا: المغازي والفتوح، وهي نمط من أنماط الكتابة ظهر مع حركة الفتوح الإسلامية بغرض التعرف على طبيعة الفتح، وفي كل مصر من الأمصار كان هناك عدد من الإخباريين المختصين في جمع أخباره وتدوينها كما يذكر ابن النديم في الفهرست، وأبرز من صنف في ذلك محمد بن عمر الواقدي (ت: 207ه) صاحب (فتوح الشام)، وابن عبد الحكم (ت:257ه) صاحب (فتوح مصر وأخبارها) والبلاذري (ت: 279ه) صاحب كتاب (فتوح البلدان).

 ثالثا: الحوليات، وفيها يعمد المؤرخ إلى سرد الحوادث المتعددة في العام حسب ترتيب وقوعها وهو يفتتح كل حدث بعبارة (وفي السنة نفسها)، وعلى الرغم من كونها تاريخا لا موضوعيا حيث أن الحادثة الواحدة قد تمتد إلى بضع سنين إلا أن الحوليات أتاحت للمؤرخ التخلص من الطابع الفردي للتاريخ الذي يدور في فلك القائد، وأقدم مؤلف وصلنا بهذه الطريقة هو (تاريخ الطبري) في مطالع القرن الثالث، ونظرا لضخامة الكتاب فقد افترض بعض المؤرخين المعاصرين أن الطبري لم يكن أول من طبق الصورة الحولية على الكتابة التاريخية، وأن آخرين سبقوه في هذا المجال.

رابعا: الطبقات والتراجم، وهي تصنيف إسلامي أصيل ابتكره المؤرخون المسلمون على غير نسق سابق لدى الأمم الأخرى تعبيرا عن إيمانهم بفكرة التاريخ الذي يصنعه الأفراد لا الزعامات، وكان أول ظهورها في القرن الثاني ثم كثر أنواعها على مر العصور، وقد ارتبطت في نشأتها بعلم الحديث، فقد عني المسلمون بكتابة تراجم للمحدثين كان الغرض منها التحقق من صدق الرواة وفقا لمنهج الجرح والتعديل، ثم امتدت التراجم إلى فئات أخرى مثل الصحابة والمفسرين والنحويين والشعراء والأطباء بل والمجذومين، وتطور شكلها ومنهجها فأصبحت مرتبة على حروف المعجم، وأدرجت ضمن كتب التاريخ العام على شكل ملحقات في أواخر الأحداث والسنوات، ومن أشهر من صنف فيه ابن سعد (ت:230ه) صاحب الطبقات الكبرى، وابن خلكان (681ه) صاحب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ومحمد بن شاكر الكتبي (ت: 764ه) صاحب فوات الوفيات.

خامسا: تواريخ المدن والخطط، والخطط لون من التصنيف يجمع ما بين الجغرافيا والتاريخ حيث يتناول المظاهر العمرانية في مدينة ما ويستعرض تاريخها، وتحوي كتب الخطط قدرا من المعلومات التفصيلية عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مما لا نجد له نظيرا في كتب التاريخ الأخرى، وأهم من صنف فيها المقريزي (845ه) في كتابه الخطط المقريزية، وابن عساكر (ت:574ه) صاحب تاريخ مدينة دمشق، وابن الضياء (ت:854ه) صاحب تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام.

وبالجملة، أولى المسلمون عنايتهم بعلم التاريخ منذ وقت مبكر، وأفلحوا في صوغ قواعد منهجية حكمت عملية التدوين التاريخي، وفي ابتكار صور وأساليب شتى للكتابة التاريخية لم يسبقهم إليها أيا من الأمم الأخرى.

______________


أنكن ( هيو ) : دراسة التاريخ وعلاقتها بالعلوم الاجتماعية ، ترجمة الدكتور محمود زاید ، بيروت ، 1963 • 

 - ابن الاثير ( على بن أحمد بن أبي الكرم ) : كـــــاب الكامل في التاريخ ، القاهرة ، ١٣٤٨ 

• . . التاريخ الباهر في الدولة الأنابكية ، تحقيق الأستاذ عبد القادر أحمد طليمات ، القاهرة ، ١٩٦٣ • 



المبحث الثاني المؤرخين العرب

المطلب الاول.   علم التاريخ في أقوال مؤرخي العرب

 ( ۱ ) التقويم الهجرى ا - لفظة « تأريخ ، لغز واعلموما : تاريخ كل شيء من حيث اللغة ، وفقا لما ذكره محمد بن يحيى الصولى ( ت ٥٣٣٦ ) غايته ووقته الذي ينتهى إليه ، ولهذا يقال : فلان تاريخ قومه في الجود ، أي الذي انتهى إليه ذلك . وقيل إن معناه التأخير ، وقيل أيضا إنه اثبات الشيء ( ۱ ) . ه وتاريخ ، ما ، مصدر من و و أرخ ، بلغة قيس ، وهو اللفظ الشائع عند العرب ، او و ورخ ، بلغة ، وهو لفظ لم يستخدمه كاتب قط ( ۲ ) ، ويزعم بعض المؤرخين أن لفظ و تأريخ ، مشتق من و ياريخ ، العبرية بمعنى القمر أو بمعنى الشهر ، وعلى أساس هذا الزعم يكون معنى لفظ , تأريخ ، التوقيت ، أي تحديد الشهر ( ۳ ) . ويستبعد الأستاذ روزنثال الافتراض القائل بالأصل العبرى لوجود حرف ياء في الصورة العبريه ( 4 ) . وزعم آخرون أن لفظ و تأريخ ، . ويذهب بعض المؤرخين إلى أن لفظ و تاريخ ، تعريب لكلمة و ماه روز ، الفارسية ومعناها حساب الشهور والأيام ( ٢ ) ، أو التوقيت حسب القمر ( ٢ ) ، وتوحى بأن المراد منها تعيين بدء الشهر القمري ( 4 ) ، ويعللون ذلك برواية جاء فيها أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لما كثرت لديه الأموال ، واختلط عليه وقت توزيعها ، جمع وجوه الصحابة ، و ، وسألهم عن كيفية التوصل إلى ذلك ، فقال له الهرمزان ملك الأهواز ، وكان قد أسر زمن فتح فارس ، وحمل إلى عمر فاسلم : « إن العجم حسابا يسمونه ماه روز ويسندونه إلى من غلب عليهم من الأكاسرة ، ، فعربوا لفظة ماه روز بمؤرخ ، وجعلوا مصدره , التأريخ ، واستعملوه في وجوه التصريف ، ثم شرح لهم البرمزان كيفية استعال ذلك ( ۰ ) . وكلمة التاريخ من حيث الاصطلاح تعنى الزمن والحقبة ( 6 ) ، ولم يظهر هذا الاصطلاح بالمعنى الذي ذكرناه لا في الأدب الجاهلي ، ولا في القرآن الكريم ، ولا في الأحاديث النبوية ، ولم يستخدم لأول مرة إلا منذ أن أدخل عمر بن الخطاب التقويم الهجرى ، فقد ورد هذا الاصطلاح في بردية يرجع تاريخها إلى سنة ۲۲ ه ، ما يدل على أن الكلمة كانت معروفة في ذلك الحين . ( 1 ) ثم تطور مدلول الكلمة بعد ذلك إلى أن أصبحت , الكتب التاريخية ، ، وأقدمها الكتب التي تتضمن مجموعات تراجم تتعرض لسنوات الميلاد والوفاة لبعض الشخصيات التي على مؤلفو هذه الكتب بترجمتها ، وعلى هذا الأساس أصبح التاريخ عند العرب فنا يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم ، ( ۲ ) ، وموضوعه يقوم على الإنسان والزمان ، ومسائله قوامها أحوال الإنسان والزمان والمفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للانسان وفي الزمان ، ( 3 ) . ولهذا السبب كانت كتب السيرة والمغازى والأنساب تدخل في عداد الكتب التاريخية ، ثم تطور معنى التاريخ إلى مع الشائع المعروف باستعمال كتب الحوليات لهذه الكلمة ( ٤ ) ، مثل تاريخ الأمم والملوك للطبرى ، وتاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء لحمزةالأصفهاني . ومع ذلك فلفظة , تاريخ ، عند العرب لم تكن تطابق كلمة . الأوربيين . لأن القضايا الفلسفية المتصلة بفكرة التاريخ هي من تطورات الفلسفة الحديثة ( ه ) ، وهي تختلف كلية عن مفهوم التاريخ عند العرب . معناه . 



________________

( ۱ ) ابو بكر محمد بن يحيى الصولي ، أدب الكتاب ، تحقيق محمد بهجة الأثرى ، القاهرة ١٣٤١ ھ ، ص ۱۷۸ ، عمود شكري الألوسي ، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ، ج ۳ القاهرة ۱۹۲۰ ، ص ٠٢١٤

 ( ۲ ) نفس المصدر ، س ۱۸۰ 

* ( ۳ ) بلسير ، مادة تأريخ ، دائرة المعارف الاسلامية ، ( القسم المعرب ) ، مجلد 4 ، عدد ۸ ص ٤٧٣

 . ( 4 ) فرانز روز قال ، علم التاريخ عند المسلمين ، ص ۰۲۱ . : 

من اللفظ الأكدى , أرخو ، وهو أيضا أمر بعيد الاحتمال في رأى روز نال ( ۱ ) 









المطلب الثاني آراء مؤرخي العرب في التاريخ 

ا - نشرة التاريخ : ارتبطت الكتابة التاريخية منذ بدايتها في صدر الإسلام بالعلوم الدينية ارتباطا وثيقا ، فكان المؤرخون الأولون يكتبون في السيرة النبوية وفي المغازي وفى نسب قريش ، وفي الطبقات وفى التراجم لرجال العلم والفقه الحديث . وما شك فيه أن القرآن أكد على أمثلة الشعوب الماضية البائدة لما تنطوى عليه هذه الأمثلة من عبر دينية ومواعظ خلقية ، كما جاء القرآن بنظرة عالمية إلى التاريخ ممثلة في تتابع النبوات ، وكان لهذه النظرة أثرها العميق في اهتمام كتاب العرب بدراسة تاريخ الرسل والأنبياء ، يضاف إلى ذلك أن القرآن نص على أن سيرة الرسول مثل المسلمين يقتدون به ، وكان لهذا التأكيد أثره في عناية كتاب بدراسة السيرة النبوية ودراسة حياة الرسول ، وقد سميت الدراسات الأولى لحياة الرسول باسم المغازي ، وتعنى لغويا دراسة أعماله الحربية ولكنها تشتعل في حقيقة الأمر على عصره كله ( 1 ) . ومنذ أن وضع عمر بن الخطاب التاريخ الهجري ، وتم العرب إنشاء دولة إسلامية واسعة الأطراف ، وأسس ديوان الجند ، حتىزاداهتمام المسلمين بدراسة الأنساب ، ولا يخف مالدراسة الأنساب من أهمية في خدمة التاريخ . و لقد جمع كثير من أئمة المسلمين بين الفقه والتاريخ ، فكان الطبري وابن كثير الدمشقي يجمعان بين التفسير والتاريخ ، وكذلك كان الحافظ الذهبي مؤرخا وفقيها ( ۱ ) عبد العزة الدوري ، نشأة علم التاريخ عند العرب ، ص ۱۸ – ۲۰ وحافظاً في آن واحد ، وكان على الدين محمد الكافيجي ( ت ٨٧٩ ) ، وشمس الدين السخاوي الحافظ المؤرخ ( ت ۹۰۲ ) ، يجمعان بين الفقه والتاريخ . وكان أكثر علماء المسلمين يرون ضرورة الاشتغال به لخدمة الغرض الدينى ، حتى يصبح علم التاريخ على هذا النحو وسيلة لفهم الفقه والشريعة . ولقد خص الكافيجي في رسالته المختصر في علم التاريخ ، جانبا كبيرا من عنايته لتوضيح مركز التاريخ في العلوم الدينية الاسلامية ( 1 ) ، ولا عجب في ذلك ، فإن الكافيجي كان عالما دينيا قبل أن يكون مؤرخاً . كذلك أشار السخاوي في كتابه , التبر المسبوك ، إلى أهمية التأريخ لعلم الشريعة ، ، بعة ، فقال : ( وبعد ) فعلم التاريخ فن من فنون الحديث النبوى ، وزين تقر به العيون ، حيث سلك فيه المنهج القويم المستوى ، بل وقعه من الدين عظيم ، ونفعه متين في الشرع ، بشهرته غنى عن مزيد البيان والتفهيم ، إذ به يظهر تزبيف مدعى اللقا ، وبأن ما صدر منه من التحريف في الارتقا ، إذ كان اختل عقله أو اختلط ، ولم يجاوز بلدته التي لم يدخلها الطالب ، قط ، و تحفظ به الانساب المترتب عليها صلة الرحم ، والمنسبب عنها الميراث والكفاءة حسبما قرر في محله وفهم ، وكذا تعلم منه آجال الحيوف ، واختلاف النقود والأوقاف ، التي ينشأ عنها من الاستحقاق ما هو معهود ، وينتفع به في الاطلاع على أخبار العلماء والزهاد والفضلاء والملوك والأمراء والنبلاء وسيرهم ومآثره ، في حربهم وسلهم ، وما أبقى الدهر من فضائلهم أو رذائلهم ، بعد أن أباده الحدثان ، وأبلى جديدهم الأوان ، حيث تتبع الأمور الحسنة من آثارهم ، ولايسمع منهم فيها تنفر عنهم المقول المستحسنة من أخبارهم ، ويعتبر بما فيه من المواعظ- أعطاء المؤمنين العرب في رأى ابن خلدون : يعتبر ابن خلدون أول من بحث عن كتاب العرب في الاجتماع الإنساني ، والعمران ، ونظم الحكم والسياسة في العصر الاسلامي ، وأول من طبق منهم منهج البحث العلمي في الكتابة التاريخية ، فنظر إلى التاريخ العام الاسلامي نظرة شاملة ، واستخلص من الدراسات التاريخية السابقة عليه آراء جسديدة في علم التاريخ ضمنها نظرات فلسفيه ، تتضمن من النقد والتحليل ما لم تعرفه مصنفات العرب في التاريخ قبله ، وقد عمل ابن خلدون على تطبيق آرائه في فلسفة التاريخ ، عند تعرضه لدراسة تاريخ الدول الاسلامية في المشرق والمغرب ، على نحو يختلف عن نهج من سبقه من مؤرخي العرب ، وإن كان قد وقع في بعض الأغلاط التي أخذها على غيره من المؤرخين ( 1 ) . وقد أخذ ابن خلدون على الباحثين في التاريخ والمصنفين له مآخذ نلخصها فيا یلی : ۱ – نقل بعض المؤرخين روايات مصنفة لكتاب سابقين عليهم بأغلاطها وزلاتها ، أو سجلوها في كتاباتهم كما سمعوها ، دون أن يقوموا بتصفيتها من شوائبها أو تنقيحها ، ودون أن يعملوا ذهنهم في فهمها ثم نقدها بعد ذلك . وفي ذلك يقول : ( وإن فحول المؤرخين في الاسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها ، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها أو ابتدعوها . وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها ، واقتفى تلك الآثار الكثير من بعدهم واتبعوها ، وأدوها إلينا كما سمعوها ، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ، ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولادفعوها . فالتحقيق قليل ، وطرف التنقيح في الغالب كليل ، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل . والتقليد عريق في الآدميين وسليل ، ( ۲ ) . والنقل إذا تم دون أن يقوم الناقل بمراجعة ما نقله ودون قياس الماضي بالحاضر . ، والغائب بالشاهد ، عده خطأ كبيراً ، وفي ذلك يقول ابن خلدون : « إن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ، ولا فيس النائب منها بالشاهد ، والحاضر بالذاهب ، فربما لم يقمن فيها من العثور ، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق ، وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين رأئمة النقل المغالط 

___________________________

 ( ۱ ) سيدة كاشف ، مصادر التاريخ الاسلامی ، ص 

۱۰ ( ۲ ) ابن خلدون ،  المقدمة ، ج ۱ ، ص ۲۰۹







خاتمة:

ويمكن القول عموما إنه رغم أهمية الأساليب الحديثة وإغراءاتها فإن المرحلة التي تمر بها الأمة تتطلب منها البحث الدائم عن عناصر القوة والمناعة في تاريخها العريق ويجب أن لا يتم التخلي عن ذلك المسعى مهما كانت طبيعة الإغراءات المعرفية والمنهجية المرفوعة.  فليس سرا أن الإمبريالية الغربية ترى في الوحدة الثقافية العربية عائقا دون مشاريعها التوسعية، ومن هنا لن تسلم مناهج التاريخ العربية من التحريفوالاختراق والقولبة بمختلف الوسائل وتحت كل الدعاوى البراقة من تحديث المجتمع إلى القضاء على منابع الإرهاب؟ أضف إلى ذلك ما تواجهه المعرفة التاريخية العربية من عوائق التقدم والتجدد بفعل الضغوط المؤسسية والسياسية عربيا.









المراجع

۱- ابن الأبار ( أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي ) : كتاب الحلة السبراء ، تحقيق الدكتور حسين مؤنس ، القاهرة ، 1963 • 

-۳ .- ابراهيم ( دكتور عبد اللطيف ) : وثيقة السلطان قايتباى ، من بحوث المؤتمر الثالث للآثار في البلاد العربية بفاس ، القاهرة ، ١٩٦١

 المعجم في أصحاب الإمام أبي على الصدفي - مجلد 4 من المكتبة العربية الاسبانية ، تحقيق كوديرة ، مدريد ، ١٨٨٥ •

 و كتاب التكملة لكتاب الصـلة ، جزآن ، تحقیق کودیره ، مدريد ، ۱۸۸۷ - ۱۸۸۹ - -

 ابراهيم ( الاستاذ محمد أبو الفضل ) مقدمة كتاب , تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري ، مجموعة ذخائر العرب ، القاهرة ، ١٩٦٠ 

 أنكن ( هيو ) : دراسة التاريخ وعلاقتها بالعلوم الاجتماعية ، ترجمة الدكتور محمود زاید ، بيروت ، 1963 • 

 - ابن الاثير ( على بن أحمد بن أبي الكرم ) : كـــــاب الكامل في التاريخ ، القاهرة ، ١٣٤٨ 

• . . التاريخ الباهر في الدولة الأنابكية ، تحقيق الأستاذ عبد القادر أحمد طليمات ، القاهرة ، ١٩٦٣ • 

- أحمد ( الأستاذ نفيس ) : جهود المسلمين في الجغرافية ، ترجمة الأستاذ ۲۷۲ ۰

  – الإدريسي ( الشريف أبو عبد الله محمد بن العزيز ) : صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس ، مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، نشره دوزی ودى غوية ، ليدن ، ۱۸۹۳ ، والقسم الخاص بالشام ، تحقیق جيلد ميستر ، بون ، ١٨٨٥ 

- الأزرقى ( أبو الوليد محمد بن عبد الله ) : كتاب أخبـار مـكه ، جز آن . الأستاذ رشدي الصالح ملحس ، مکه ، ١٣٥٢ ه 

- أسامة بن منقذ ( مؤيد الدولة أبو مظفر ) : كتاب الاعتبار ، تحقيق الدكتور فيليب حتى ، برنستون ، ۱۹۳۰ ۰ 

 - الاصطخرى ( أبو اسحاق ابراهيم بن محمد الفارسي ) : المسالك والمالك ، تحقيق الدكتور محمد جابر عبد العال الحينى ، القاهرة ، ١٩٦١


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحليل وثيقة الامير خالد

بطاقة قراءة لكتاب حمدان بن عثمان خوجة المرٱة

بحث نظريــــــــــــــــــــات التأثير المباشر