الديانة عند الاغريق
خطة البحث
مقدمة
المبحث الاول ماهية الدين عن الاغريق
المطلب الاول لمحة عن الدين عند الاغريق
المطلب الثاني الطور الأسطوري
المطلب الثالث الطور الفلسفي
المبحث الثاني انواع الالهة
المطلب الاول السمات العامة لآلهة الأوليمب
المطلب الثاني الآلهة الصغرى
المطلب الثالث الوحدة والتجريد
خاتمة
المراجع
مقدمة
عاش الإغريق ليس لهم دين جامع أو معتقد يلم شملهم على فكرة واحدة ، ولم يكن لهم من مظاهر الدين غير مراسم طقسية لا تتفق وما اجتمع لهم من أسس حضارية ومدنية ، ومع مرور الوقت أخذت تلك المراسيم تنمو وترقى دون اعتماد على كتاب مقدس ، وتختلف في طبيعتها بين إقليم وآخر ، غير أنها ظلت مع هذا الاختلاف الذي تمليه طبائع القوم تحتفظ بخصائص وسمات بارزة ، منها اتخاذ ذلك العدد الوفير من الآلهة التي كانت لهم صفات البشر فكراً ووجداناً فقد تصور الاغريق الهتهم في صورة بشر فكانوا كالبشر يحتاجون إلى النوم ويأكلون ويشربون وان اقتصر طعامه على الامبروسيا وشرابهم على النكتار وهما طعام وشراب مقصورات على الآلهة دون سواها وكانوا يحيون ويكرهون ويحزنون ويتزوجون ويزنون ( تلك الصفات التي تتسم بالسمو حيناً وبالإسفاف حينا ، ولم يكن لزاماً على الناس جميعاً أن يدينوا لهذه الآلهة بالعبادة ، بل كان ذلك يعود إلى اختيارهم وأهوائهم ، فضلاً عن ذلك فقد صاغ اليونانيون حول هذه الآلهة أساطير كثيرة عن قدرتهم على البطش والإرهاب ، وكان كل ما في هذه الديانة اليونانية عن الحياة الدنيا بما فيها ولا شغل بها بالحياة الآخرة " ) ، اذ يختلف الدين في بلاد اليونان في عصورها المبكرة عنه في البلاد الأخرى في ان الديانة في حضارات الشرق الأدنى
فكيف كانت الديانة عند الاغريق؟؟؟؟؟
المبحث الاول ماهية الدين عن الاغريق
المطلب الاول لمحة عن الدين عند الاغريق
يجمع المؤرخون على أن الديانة اليـونـانيـة تعـد مـن أعـقـد الديانات الوضعية القديمة . ويرجع ذلك إلى عدة أمور أهمها : - غيبة الوثائق والآثار التي تعين على تحديد الفترة التاريخية التي نشأت فيها هذه الديانة ، والأطوار المختلفة التي مرت بها طقوسها ومعتقداتها . فما برح المؤرخون المحدثون يقطعون بأن الأساطير اليونانية القديمة هي المصدر الرئيسي للفكر العـقـدى اليوناني ، وذلك بما تحويه من قصص عن أصـول الألهة وأسماءها وأنسابها وأشكال الطقوس وأسس العبادات . وهذا المصدر بطبيعة الحال لا يصلح لأن يكون مـصـدرا تاريخيا ؛ وذلك لأنه مجهول النشأة والنسب . فقد اختلف الباحثون حول أصـول معظم الأساطير التي رواها الـيـونـانـيـون . فردها البعض للبلاسيجيين ( * ) ( ۱ ) ، وردها البعض الآخر لكتاب الملاحم الكبار من شعراء اليونان مثل هوميروس نحو ( القرن التاسع أو الثامن ق . م ) وهزيود نحـو ( القـرن الثـامـن ق . م ) . وكـذا كـتـاب المسرح الـتـراجـدى وعلى رأسهم إيسخيلوس نحو ( ٥٢٥ - ٤٥٦ ق . م ) وسوفوكليس نحو ( 496 - 405 ق . م ) ، ويوريبيدس نحو ( ٤٨٤-٤٥٦ ق . م ) ( ۲ ) . وتنزع بعض الدراسات المعاصرة إلى أن أساطير البلاسيجيين والملاحم المنسوبة لهوميروس وهزيود ، قد تعرضت جميعها إلى الاضافة والتحريف في عصور مختلفة ، تبعا للظروف الاجتماعية والسياسية التي مرت بها الثقافة اليونانية . الأمر الذي نأي بها عن سجل التاريخ وقذف بها أضف إلى ذلك أن الحفريات والنقوش والآثار الهيلينية على ندرتها قد كشفت عن بعض معالم هذه الديانة ، غير أنها عجزت عن تحديد زمن ظهور تلك العبادات والاعتقادات التي حوتها . أما كتابات المؤرخين الأول لم تخل كذلك من الخلط والتحريف ويرجع ذلك إلى أنها عولت في استسقاء مصادرها على الملاحم من جهة ، وعدم دراية مؤلفوها بأصول ديانة الآخيين من جهة أخرى . فجلهم من أصل غير يوناني ، وعلى رأسهم هيرودوت نحو ( ٤٨٤-٤٢٥ ق.م ) الذي ينحدر من أصـول هاليكارناسية آسيوية . وقد خلط في حديثة عن الديانة اليونانية بين آلهتها وآلهة بابل ومصر وآشور وكريت ( ۳ ) . –
__________________
( ۱ ) عبد اللطيف أحمد على : التاريخ اليوناني العصر الهللادي ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ١٩٧٦ ، ج ۱ ، ص ٨٥ .
( ۲ ) على عبد الواحد وافى : العقائد الدينية عند قدماء اليونان ، مطبعة لجنة البيان العربي ، القاهرة ، ١٩٦٤ ، ص ۳ .
( 3 ) أرنولد تويني : الفكر التاريخي عند الإغريق : ترجمة لمعى المطيعى ومحمد صفر خفاجـة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1966 ، ص 10 :
المطلب الثاني الطور الأسطوري :
لم يفلح الباحثون المحدثون في تحديد أصول الأساطير اليونانية ، ومازالوا مختلفين حول منبتها وكتابها ، وتعليل مدى التشابه بين قصصها وبين نظائرها في الثـقـافـة المصرية والبـابـليـة والفينيقية والمينوية ، ( ۰ ) ( ۱۰ ) فردها بعضهم إلى « هوميروس وهزيود » باعتبارهما أقدم شعراء اليونان ، الذين كتبوا الملاحم الأولى التي تصور عالم الآلهة وما يحدث فيه ، وتحدد أنساب الأرباب وأسرهم . وعلى العكس من ذلك ينزع بعض الباحثين فيشكك في وجود شخصية هوميروس - الأمر الذي سنتناوله بالتفصيل عند حديثنا عن الإلياذة والأوديسا باعتبارهما أهم النصوص اليونانية المقدسة ( ١١ ) - ويرى أنصار هذا الرأي أن الألياذة والأوديسا ما هي إلا مجموعة من القصص الأسطورية المنتحلة من الآداب الشعبية القديمة ، وأن معظمها مقتبس ، من الفلكلور الشرقي . وعلى ذلك فلم يكن هوميروس أو هزيود إلا رواة لها في قالب ملحمى قاما بابتداعه . ومن ثم فأساطير اليونان- عندهم - مجرد محاكاة للعديد من الأساطير المصرية والحيثية والكنعانية ، ويستدلون على ذلك بتطابق العديد من القصص بأشكالها الثلاث ( الخرافية والبطولية والشعبية ) التي وردت في الألياذة مع أصولها الشرقية . ذلك فضلا عن النسيج الخرافي الذي انتحله اليونانيون من الكريتين في تسجيل انتصاراتهم ، ووصفهم عالم الآلهة ( ١٢ ) . وإذا ما طرحنا هذه الخلافات جانبا فإننا سنبد أن الأساطير اليونانية تعد بلا منازع النموذج الأمثل لطور السذاجة في هذه الديانة . فهي لا تعدو أن تكون روايات خرافية تتضمن ظروفا وأحداثا خارقة تقوم بها الآلهة أو أبطال خرافيون البشر ، تختلف تماما عن الظروف والأحداث التي يقوم بها الإنسان العادي ، شأنها في ذلك شأن الأساطير الدينية في الثقافات الغابرة . ويؤاد الأستاذ ميرسيا ايلياد في كتاباته عن تاريخ الأديان أن الأساطير اليونانية مثل غيرها يجب النظر إليها ، باعتبارها ظاهرة دينية ومصدرا هاما للمعتقدات والعبادات ، موضحا أن الأثر الذي تحدثه الأسطورة أعـظـم قـوة من تلك التـعـالـيـم المباشرة التي تحويهـا الأسفار المقدسة ، ذلك على الرغم من سذاجتها وصبغتها الخرافية ( 13 ) . وإذا ما نظرنا إلى مضمون الأساطير اليونانية الدينية فإننا سنجده يحوى بعض القصص الخرافية التي توضح نشأة الكون ، وتفسر الظواهر الطبيعية ، وتصور قدرة الألهة وقوتها وصـفـاتهـا وعلاقتها بالإنسان ومدى تأثيرها عليه وكذا المبادئ الأخلاقية وأصول العبادات و الطقوس ، وآد اب المنزل و الزواج وتحديد العلاقة بين أفراد الأسرة . ومن أهم هذه الأساطير تلك التي أورد ها هزيود حول تفسير وجود الكون . فتروى الأسطورة : أنه منذ عصور سحيقة موغلة في القدم وقبل كل شيء وجد الكائن الأول ويدعى « خـاؤس ، وهو أشبه بالهـيـولى عند أرسطو أو هو مادة ليس لهـا صـورة محددة ولكنها قابلة أن تصبح كل الصور . و قد أنجب خاؤس من ذاته ( أي من غير زوجـة ) أنثى وذكـر هـمـا « نوكس ، وهي الليل الحالك و « أريبوس »
_______________________
. Prolegomena to the study of greek religion . www . Data4all.com/list ( £ ) 500 / 512000 / 0691015146.12 / 10 / 2001
. ( 5 ) هـ . ج . روز : الديانة اليونانية القديمة ، ترجمة رمزى عبده جرجس ، مراجعة محمد سلیم سالم ، دار نهضة مصر ، القاهرة ، 1965 ، ص 14 ، . ۱۵
( 6 ) محمد كمال جعفر : الإنسان والأديان دراسة مقارنة ، دار الثقافة ، قطر ، الدوحة ، ۱985 ، ص ۲۸٦ ، ۲۸۷ .
المطلب الثالث الطور الفلسفي :
تؤكد العديد من الدراسات على أن نظريات الفلاسفة الدينية لا تشكل قطيعة معرفية مع الفكر الموروث ، ولا جحودا تاما للمعتقدات السائدة . بل جاءت مواكبة لتطور الحياة اليونانية ، ومصاحبة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نبتت فيها . وتدلل على ذلك العديد من الظواهر أهمها : ذلك الثوب الأسطوري الذي كان ينتحله الفلاسفة لصياغة نظرياتهم في تفسير الكون ونشأته ، والتدليل على وجود الآلهة وعالم الأرواح . فما برح بعض الفـلاسـفـة يـبـررون نشأة الكون بالحب الذي جمع عناصره الإلهية ، ويؤكدون أن العناصر الطبيعية التي ردوا نشأة الكون إليها ( الماء والهواء ) ما هي إلا صورة من صور الألوهية ، وأن نظرياتهم حيال الوجود لا تعدو أن تكون إلهامات ونبوءات من أرباب السماء . وعلى الرغم من هذه المسحة المحافظة التي نبت فيها هذا الطور نجد سمات التجديد واضحة جلية في كتابات الهراطقة والملحدين ، الذين أنكروا التشبيه والتجسيد والكثرة في نظرتهم لفكرة الألوهية ، وجعلوا من آلهة الأوليميب مجرد رموز لعـالـم مفعم بالأسرار لا يمكن فك طلاسمه إلا بالتأمل العقلى والتزود بالمعارف المختلفة من الثقافات المجاورة . وتجمع معظم الدراسات على أن هذا الطور الفـلسـفى هو طور نضج الفكر الديني أليوناني ، حيث تهذيب الأساطير ، وتناول قضية الوجود وعالم الروح من منظور عقلی جديد . وانتحال بعض المعتقدات المصرية والهندية والفينيقية في صياغة المعتقدات الجديدة ( ۲۸ ) . وحسبنا قبل الخوض في تناول إسهامات فلاسفة اليونان في الفكر الديني ، مناقشة بعض الكتابات التي تعرضت لطبيعة العلاقة بين الدين والفلسفة في الحضارة اليونانية . فذهبت بعض الدراسات إلى اعتبار آراء فلاسفة اليونان حيال تفسير الوجود وعلته وأصله ، وكتاباتهم عن عالم الروح وطبيعة الإله ، ثورة ناقضة للفكر الديني الذي ساد الحياة الثقافية اليونانية منذ القرن العاشر قبل الميلاد حتى ظهور بواكير البحث الفلسفي في القرن السادس قبل الميلاد ( ٢٩ ) . وتعتبر نتاجهم الفكرى إبداعا أصيلا استطاع نقل العقلية البشرية من طور الخرافة والأساطير الدينية إلى طور العلم و المعرفة الفلسفية ( 30 ) . ومن ثم فهي تفرق بين فلاسفة اليونان ودونهم من أصحاب الرؤى والنزعات في الثـقـافـات السابقة عليهم . فتنعت اليونانيين بأنهم أرباب دين فلسـفى من اختراعهم ، شاغل بالأفكار والتصورات وشاغر من قيود السلطة الكهنوتية وصل إلى ذروته عند أفلاطون وأرسطو حيث الثيولوجي Theologia أي علم الدين ( ۳۱ )
_________________
( ۷ ) هـ . ج . روز : الديانة اليونانية القديمة ، ص ۱۷ ، ۲۳ : ۲۸
. ( ۸ ) عبد اللطيف أحمد على : التاريخ اليوناني : ج ۱ ، ص 75 ، 76 .
( ۹ ) س . م . بورا : التجربة الدينية ، ترجمة أحمد سلامة محمد السيد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٨٩ ، ص 75 ، 76 .
المبحث الثاني انواع الالهة
المطلب الاول السمات العامة لآلهة الأوليمب :
لا نكاد نلمح في الأساطير الـيـونـانيـة الـهـومـريـة أثرا لفكرة التجريد ، بل كانت صور الآلهة موغلة في التجسيد بدء من تأليه عناصر الطبيعة والأرض والسماء والبحر ، ونهاية بآلهة الأوليمب أصحاب الهيئة البشرية . وقد اتخذت هذه الصور أشكالاً خرافية تتفق إلى حد كبير مع المهام والوظائف التي تقوم بها . فكانت السماء موطن معظم الآلهة اليونانية ، وكانت الأرض نفسها في بادئ الأمر هي الإلهة « جايا » الأم الصابرة السمحة الجزيلة العطاء ، التي حملت حين عائقها « أورانوس » السماء فنزل المطر ، وكان يسكن الأرض نحو ألف إله آخر أقل من « جايا » شأنا في مائها ، وفي الهواء المحيط بها ، منها : أرواح الأشجار المقدسة وخاصة شجرة البلوط ومنها « النريدات » ، و « النيادات » ، والأوقيانوسيات في الأنهار والبحيرات والبحار . وكانت الآلهة تتفجر من الأرض عيـونا أو تجرى جداول عظيمة ، وكان للربح آلهة مثل « بورياس » و « زفر » وسيدها « إيوس » ، وكان من آلهة الأرض « بان » العظيم ذو القرنين المشقوق القدمين إله الرعاة والقطعان ، والجنيات المعروفة « بالسليني » وهي مخلوقات نصف جسمها ماعز ونصفه بشر وكان في كل مكان في الطبيعة آلهة وكان الهواء غاصا بالأرواح الطيبة أو الخبيثة ، لا تكاد تجد فيه شقا فارغا تستطيع أن تدفع فيه طرف ورقة نبات . وكان اليونانيون يقدسون أعضاء الذكورة والأنوثة باعتبار هـا رمزا للخصب والتناسل ، وظهرت رمـوز هـذيـن الـعـضـوين في التحت والـتـصـويـر ، وكـانت تحـمـل صـورهـمـا في الاحتفالات الـديـنـيـة الخـاصـة بطقوس الإله ديـونـيـسـوس وهرمس وديمتير وأرتميس ( 99 ) . وقد نسجت العديد من الأساطير لتحديد سمات الآلهة وهيئتها ، وذلك تبعاً للمعتقد الديني السائد ، فتصور الأساطير البلاسيجية القديمة الربة « أتينا » بوجه بومة ، والإلهة « هيرا » بوجه بقرة ، وقد رغب الآخيون عن هذه الصور البلاسيجية اعتقادا منهم بأن نموذج الإنسان وحده هو الأجدر بحكم العالم وذلك بعد ربطه بالخلود ومنحه عظيم القوى . وقد نجح هوميروس في التوفيق بين التصور القديم لأشكال الآلهة ، وبين الهيئة الجديدة التي ارتضتها العقلية الآخية لتكون نموذجا للمعبود ( ۱۰۰ ) . فجعل معظم الآلهة على هيئة بشرية مرتبطة بصور رمزية من الطيور والحيوانات فجعل الربة القامة فارعة الطول ، وجعل البومة والديك والثعبان من أحب الكائنات إليها . وصـور الإلهة « هيرا » في هيئة سيدة وقورة ذات وجه جميل ، وجعل البقرة والطاووس من أحب الكائنات إليها ( 101 ) . وقـد قـسـم الـيـونـانـيـون آلـهـتم إلى ذكور وإناث تبعا للنم البشري الذي ارتضونه ، ووضعوا لكل منهم سمات وصفات تميزهم عن - في حين تتداخل تبعا للسياق الأسطوري الذي تناول كل منهم وقد اختلف الباحثون حول تبرير عبادة اليونانيين للآلهة النسوة فنزع بعضهم إلى أن الآخيين كانوا يفضلون الذكور على الإناث ، بيد أنهم لم يستطيعوا إنكار الربات اللائي عـبـدها الكريتين فـضـمـوهـا مـرغـمين إلى عالم الآلهـة ثم إلى آلهة الأوليمب . وذهب فريق آخر إلى أن الآخيين كانوا يعبدون ربة الحنطة وأم الأرض « ديمتير ) وابنتها « كورى ، وذلك قبل نزوحهم إلى أرض اليونان
_________________
) عبد اللطيف أحمد على ، التاريخ اليونانی ، ج ۱ ، ص ۸۹ : ٩٥ .
( ۱۱ ) عبد المعطى شعراوي : أساطير إغريقية ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط ۲ ، ۱۹۹۲ ، ج ۱ ، ص ۱۱ .
المطلب الثاني الآلهة الصغرى :
اختلف المؤرخون حول طبيعة الآلهة الأرضية وعلة عبادة اليونانيين لها . فذهب البعض إلى أنها آلهة قديمة ورثها الآخيون عن الكريتين أو البلاسيجين ، وأن هوميروس قد وضعها في ملاحمه وانتحل لها أنسابا تربطها بآلهة الأوليمب . بينما ذهب البعض الآخر إلى أنها آلهة شرقية قد تسللت إلى العقيدة اليونانية بفعل التأثر الثقافي بين الشعوب ، وأن هوميروس قد وجد في سماتها ما يكمل به ما افتقرت إليه آلهة الأوليمب ، محاولا بذلك معالجة الخلل الواضح في سياق فكرة الألوهية التي ابتدعها . وتنقسم الآلهة الصغرى إلى : المعبودات السماوية والأرضية ، وأنصاف الآلهة والأبطال . وسوف نتناول كل منها بشيء من التفصيل . - المعبودات السماوية والأرضية : وكلها لا يختلف في طابعه عن آلهة الأوليمب من حيث التعدد والتجسيد والثوب الأسطوري الخرافي الذي علق بها وهي تشتمل على : معاني وقيم مثل الحظ والحب والقدر ، وأرواح الأجداد ، وعناصر الطبيعة مثل الأحجار والأنهار ، والقوى الغيبية مثل الجن والعفاريت ، وبعض الحرف والفنون مثل الطب والفنون . توخي هي ربة المصير والحظ السعيد والنحس ، وعنوان الرخاء . وهي ربة إغريقية مجهولة النسب . صورتها الأساطير على هيئة امرأة مجنحة تحمل الطقوس « بلوتوس » رمزا للثروة والطفل وأحيانا كثيرة التغير والتحول . ومن أحب الأشياء إليها عجلة الحظ والدقة والسلم والميزان وقرن الإخصاب ، وقد أسندت إليها الأساطير مهمة مساعدة البشر على الوصول إلى أوج الحظ أو الهبوط بهم من علياء المجـد ، وقـيـادة الحوادث وفق مـشـيـئـتـهـا ، والتحكم في مصائر البشر ومقدراتهم " . ( ١٥٨ ) خاؤوس وهو مزيج لا يمكن تمييزه من الفراغ والمادة قبل خلق العـالـم وأبا لـ « نوكس » رمز الليل ، و « إيريبوس » رمز ظلمة باطن الأرض ، ومنه نشـأت « جايا » الأرض ، تارتاروس » مكان أسطورى خـرافـي أسـفـل عـالم المـوتى ، و « إروس » إله الحب ( 159 ) . اروس إله الحب ومبدأ الاتفاق والاتحاد في بناء العالم ومخلوقاته ، وهو ابنا لخاؤوس كما أشرنا سلفا - في الأساطير القديمة . وجعله هوميروس وهزيود ابنا لأفروديتي لأريس ، وأخرى لهرميس . وقد صورته الأساطير على هيئة طفل أعمى مجنح بأجنحة ذهبية ممسكا بقوس وجعبة مملؤة بالسهام وشعلة ليتمكن من طعن وإشعال قلوب ضحاياه ، بصحبة أمه وأخواته « أنتيروس » ا إله الحب المتبادل ، و « بوثوس » إله الشوق ، واهيميروس » إله الشـهـوة ، و « بايثوا ربة الإقناع ، وربات ألفنون ، و « الخـاريـتـيس » ربات الطرف والجمال . خصاله بين الرحمة وا لنقمة وتجاوز سلطانه كل حد فلم يخلص من سهامه الطائشة الآلهة ، ولم يفلت من نار شعلته بنى البشر . وكانت وظيفته الوحيدة هي إصابة كل من يمسه بسهـمه بلوعـة الحب ونار العشق وفق مشيئته أحيانا ، ورغما عنه في معظم الأحايين وذلك نظرا لعدم قدرته على الرؤية ( 160 ) . وقد تضاربت الروايات حول قصة فقدانه لبصره غير أن الشائع منها تلك التي تقص أنه كان يسير ذات يوم بصحبة إله الجنون ، فاختصما فلطمه إله الجنون لطمة على وجهه أفقدته البصر
______________________
) دائرة المعارف البريطانية : الأسطورة وعلم الأساطير ، ترجمة عبد الناصر محمد نوری ، دار الشؤون الثقافية العامة ، العراق ، بغداد 1986 ، ص 15:10 .
( ١٤ ) عبد المعطى شعراوي : أساطير إغريقية ، ط 1 ، ج ۲ ، ص ٤٤:٢٦ . (
المطلب الثالث الوحدة والتجريد :
وإذا ما انتقلنا من عقيدة التعدد والتجسيد إلى مفهوم الوحدة والتجريد ؟ سوف نجده - كما أشرنا - محصورا في كتابات الملاحدة الناقضين ، للديانة الهـومرية بخاصة ، وفكرة الألوهية المفعمة بالتعدد والخرافة بعامة . وسـوف نسـوق في السطور التالية أوضح النماذج التي تؤكـد وجـود فكرة التوحيد والتجريد بجانب الديانة الشعبية السائدة وإن كانت في أضيق الحدود . أكسينوفان ( ٥٧٠ - 4٧٠ ق.م. ) . رفض اكسينوفان الديانة السائدة برمتها [ التعدد ، التجسيد ، الثوب الأسطوري الخرافي ] . وراح يؤكد على وجود إله واحـد مـجـرد ليس له شبيه ، خـالد خالق مسيطر لا يتبدل ولا يتحول ومن أقواله في ذلك : « هناك إله واحد هو الأعظم بين الآلهة المعبودة والبشر ولا شبيه له في الجسد ولا في الفكر . وهو البـصـيـر بـكـل شيء ، العليم بكل شيء ، السميع لكل شيء » ( ۱۷۸ ) أفلاطون : يضع معظم الباحثين أفلاطون في مقدمة الفلاسفة القائلين بوحدة الإله وتنزيهه عن التشبيه . بيد أن نفرا منهم يرى أن هذه الفكرة عنده لا تخلو من التشويش الذي يضعفها بـل يـفـقـدهـا مـصـداقـيـتـهـا . وحجتهم في ذلك أنه لم يصرح في إحدى محاوراته ببطلان عقيدة التعدد ، بل أن عالم المثل الذي ابتدعه كان شاغلاً بالآلهة المثل . وكذا السماء المليئة بالكواكب المؤلهة . ويوضح ذلك ألبير ريفو مبيناً أن صفة الخلود لم يطلقهـا أفلاطون على مثال الخير الأسمى وحده ، بل وسم بها الآلهة مجتمعة . بيد أن الدراسات المعاصرة تؤكد أن فكرة الإله الواحد المجرد عند أفلاطون هي قوام فلسفته الدينية ، أما دونها أفلاطون ليتجنب غـضـبـة الرأي العام والصدام بالساسة المحافظين الذين حكموا على أستاذه سقراط بالإعدام . وإذا ما انتقلنا إلى الصفات التي وسم بها أفلاطون إلهـه سـوف نجدها تؤكد ذلك . فمثال المثل عنده : واحد ليس له شبيه ، مجرد ليس له جسد ، مبدع أزلى خير صانع ، وهو علة وجود سائر الآلهة المعبودة ( ١٧٩ ) . وقد ساق لتأكيد هذه الصفات عدة براهين أهمها الحركة ، والعلية ، والإجماع والاعتقاد الفطرى ، والصورة ، و النظام والغائية . وقد اختلف الدارسون حول تحديد طبيعة العلاقة بين الإله والعالم عند أفلاطون . فذهب كورنفورد وكولنجوود إلى أن إله أفلاطون هو مبدع الكون وصانعه على خير مثال وخالقه . في حين تؤكد العديد من الدراسات على أن فكرة الخلق من عدم ، لم تطرح على مآدب فلاسفة اليونان . وأكد كوبلستون أن إله أفلاطون مجرد فرض عقلي لا ينبغي إقحامه في ميدان اللاهوت . وعلى العكس من ذلك تماما نزع فلاسفة اليهودية والمسيحية والإسلام الأوائل إلى اعتبار أفلاطون نبيا ورسولاً موحدا ، مستندين في ذلك على كتابات أفلاطون التي أكد فيها على حديثه عن الآلهة المتكثرة ، لا يقصد به إلا التنبيه على وجود أعوان للإله قد خلقهم لمساعدته . وكذا نهيه عن التفكير في ماهية الإله لأن مثل ذلك يعده دربا من الإلحاد ( ١٨٠ )
أرسطو على الرغم من المكانة التي حظى بـهـا أرسطو في الفكر الديني الـيـهــودي والمسيحي والإسلامي إلا أن صفات الإله عنده تختلف تماما -كما أشرنا سلفا فكرة الألوهية في الديانات السماوية
______________.
( ۱۸ ) سليـمـان مظهـر : أسـاطير من الشرق ، دار الشروق ، القاهرة ، ۲۰۰۰ ، ص ۱۸ : ۲۳ .
( ۱۹ ) عبد اللطيف أحمد على : التاريخ اليوناني ، ج ۱ ، ص ۲۱۱ : ٢١٥
( ۲۰ ) هـ . ج . روز : الديانة اليونانية القديمة ، ص ۱۲
خاتمة
ما يلاحظ على الآلهة الاغريقية انها كثيرة فقد كان لكل مدينة الهها الخاص ، بل لكل قبيلة طرق خاص للعبادة ، وهذا ساهم في تجزئة البلاد . وقد تطورت العبادات عند الاغريق فعلى الرغم من تقديم القرابين من لحم البشر في كل الاعياد الدينية اليونانية الا ان ذلك كان في العصور المبكرة ثم تبذ الاغريق هذه العادة في العصور المتأخرة كما كان للدين دور كبير في تطور العمارة وذلك من خلال بناء المعابد
المراجع
( ۱ ) عبد اللطيف أحمد على : التاريخ اليوناني العصر الهللادي ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ١٩٧٦ ، ج ۱ ،
( ۲ ) على عبد الواحد وافى : العقائد الدينية عند قدماء اليونان ، مطبعة لجنة البيان العربي ، القاهرة ، ١٩٦٤ ،
( 3 ) أرنولد تويني : الفكر التاريخي عند الإغريق : ترجمة لمعى المطيعى ومحمد صفر خفاجـة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1966 ،
15 . Prolegomena to the study of greek religion . www . Data4all.com/list ( £ ) 500 / 512000 / 0691015146.12 / 10 / 2001
. ( 5 ) هـ . ج . روز : الديانة اليونانية القديمة ، ترجمة رمزى عبده جرجس ، مراجعة محمد سلیم سالم ، دار نهضة مصر ، القاهرة ، 1965 ،
( 6 ) محمد كمال جعفر : الإنسان والأديان دراسة مقارنة ، دار الثقافة ، قطر ، الدوحة ، ۱985 ،
( ۷ ) هـ . ج . روز : الديانة اليونانية القديمة ،
. ( ۸ ) عبد اللطيف أحمد على : التاريخ اليوناني : ج ۱ ،
( ۹ ) س . م . بورا : التجربة الدينية ، ترجمة أحمد سلامة محمد السيد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٨٩ ،
۱۰ ) عبد اللطيف أحمد على ، التاريخ اليونانی ، ج ۱ ،
( ۱۱ ) عبد المعطى شعراوي : أساطير إغريقية ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط ۲ ، ۱۹۹۲ ، ج 1
Greek religion . www . philo.ucdavis.Edu/Vanessa/grgdzi (
) دائرة المعارف البريطانية : الأسطورة وعلم الأساطير ، ترجمة عبد الناصر محمد نوری ، دار الشؤون الثقافية العامة ، العراق ، بغداد 1986 ،
( ١٤ ) عبد المعطى شعراوي : أساطير إغريقية ، ط 1 ، ج ۲ ،
. ( 16 ) إسماعيل مظهر : قصة الطوفان ، دار العـصـور للطبع والنشر ، القاهرة ، ۱۹۲۹ ،
( ۱۷ ) عبد المعطى شعراوي : أساطير إغريقية ، ج 1 ،
( ۱۸ ) سليـمـان مظهـر : أسـاطير من الشرق ، دار الشروق ، القاهرة ، ۲۰۰۰ ، .
( ۱۹ ) عبد اللطيف أحمد على : التاريخ اليوناني
( ۲۰ ) هـ . ج . روز : الديانة اليونانية القديمة ،
تعليقات
إرسال تعليق